
بدأت الندوة بكلمة ترحيبية من رئيس الملتقى الدكتور فوزي زيدان جاء فيها: "السيولة النقدية هي عامل أساس لكل اقتصاد، ويعاني لبنان من أزمة سيولة نقدية مستمرة، ازدادت حدّة في العام 2016 ما دفع مصرف لبنان إلى تنشيط الاعتماد على عمليات الهندسات المالية بالاقتراض المستمر للعملات الأجنبية من المصارف بأسعار فوائد ضخمة مقارنة بالمعدلات الدولية، من أجل تحسين الاحتياطي الإجمالي لديه من هذه العملات ومنع الانهيار النقدي. الأمر الذي أدى إلى انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية. وكان سبب الانخفاض السلوك المالي والسياسي غير المسؤول الذي انتهجته الحكومات اللبنانية والمصرف المركزي".
تابع: "بدأت تداعيات أزمة السيولة تتفاقم أكثر بعد الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019، وتطوّرت بشكل كبير في العام 2020 بسبب جائحة كوفيد 19 وانفجار مرفأ بيروت، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ تدفّق العملات الأجنبية وتراجع كبير في قيمة الليرة اللبنانية مقارنة بالدولار والعملات الأجنبية، بالتالي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي، وشلل المصارف، وأزمة وقود وطاقة حادة، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهجرة الشباب والكفاءات وتعاظم الدين العام. وكان من الممكن أن تكون تداعيات الأزمة أقلّ حدّة لو اعتمدت الحكومات المتعاقبة في العقود الثلاثة الماضية سياسة تفعيل القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعات التحويلية الخفيفة ومختلف الحرف اليدوية، بدلاً من الاعتماد بشكل رئيس على القطاع الخدماتي الذي يشمل الخدمات المصرفية والسياحة".
أضاف: "بدأت وتيرة التراجع الاقتصادي تتباطأ في العام 2022 إلا أنّه لم يطرأ أيّ تغيير جذري على مسار التراجع عمومًا، نتيجة عدم قيام الحكومة آنذاك بتنفيذ خطة التعافي التي أقرّتها، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي الذي يتضمّن: تطبيق إصلاحات اقتصادية بما فيها تحسين الحوكمة وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، تحسين قطاع الكهرباء، تحسين الشبكة الاجتماعية، تحسين النظام الضريبي وإصلاح النظام المصرفي".
وقال: "ما إن بدأ الاقتصاد اللبناني بالتحسّن نتيجة تدفّق الأموال التي يرسلها المغتربون اللبنانيون، وتحسين الرواتب ودولرة بعضها، وتمضية المغتربين اللبنانيين والسياح العرب والأجانب إجازاتهم في لبنان، حتى أتت التطورات الأمنية في المنطقة في العام 2023 وانخراط "حزب الله" في حرب الاستنزاف لتوقف من اندفاعة التحسّن، والعودة بالاقتصاد إلى الجمود الذي كان عليه، وتدمير بنى تحتية وفوقية في مناطق لبنانية عدة بخاصة في الجنوب، ما يحتاج إعادة إعمارها إلى أكثر من عشر مليارات دولار".
تابع: "كان الاعتقاد بأنّ انتخاب رئيس للجمهورية يرضى عنه المجتمع العربي والدولي، وتشكيل حكومة تستجيب لمطالب الإصلاح بإقرار خطة تعافي تحظى بموافقة صندوق النقد الدولي والدول المؤثّرة في الملف اللبناني يمكّن لبنان من الحصول على مساعدات مالية كبيرة من الدول المانحة والمؤسّسات المالية الدولية، بالتالي إلى إنعاش البلد واقتصاده المتهاوي، لكن ذلك لم يحصل، نتيجة احتلال إسرائيل لمواقع في جنوب لبنان وانتهاكاتها المتواصلة للقرار 1701، وتباطؤ الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المالية، وقرارها بحصرية السلاح في أيدي قواتها الأمنية والعسكرية. ما أدّى إلى أزمة مالية واقتصادية حادة بالتالي إلى انكماش متوقّع في الاقتصاد بنسبة 2% في العام 2025 وفقاً لتقرير الأمم المتحدة".
ختم: "أما على صعيد الآفاق المستقبلية، فإنها ترتبط بشكل أساسي بقدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات حقيقية تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، مكافحة الفساد، تحسين إدارة الموارد المالية، واستعادة الثقة الداخلية والدولية. والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وتطبيق خطة إنقاذ اقتصادية شاملة".
جابر
ثمّ ألقى الوزير جابر مداخلة أكد فيها أن "ميزة الشعب اللبناني على التكيّف هي من الحسنات في بعض الظروف، خصوصاً في الأزمات الكبرى. وقد مرّ لبنان بأزمات عدة، منذ التوقّف عن دفع الدين الخارجي، وصولاً إلى الحرب المدمّرة الأخيرة. إلاّ إرادة النهوض، بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة الحالية، كبيرة".
وقال: "لقد عملنا على إقرار العديد من القوانين الإصلاحية، أهمها قانون إلغاء السرّية المصرفية، وإعادة تنظيم القطاع المصرفي، وهما من الخطوات الضرورية لمعالجة أزمة الودائع. في تعاملنا مع صندوق النقد الدولي، كانت له ملاحظات أبرزها على الهيئة المصرفية العليا وصلاحياتها، ولجنة الرقابة على المصارف، وقانون إعادة الودائع".
أضاف: "لقد صدر قانون تنظيم المصارف وفيه أمور إيجابية جداً تتعلّق بالملاءة ورأس المال وتطبيق القوانين المحلية والدولية. وأنّ القانون الذي يُعمل عليه اليوم، والمعروف بقانون الفجوة المالية، وهو قانون مهم جداً ويحظى برعاية رئيس الحكومة شخصياً، بوتيرة متسارعة لإقراره في مجلس الوزراء، وإرساله إلى مجلس النواب لإقراره".
وكشف أنّ "ظروف اليوم أفضل من ذي قبل، وأنّه سيتمّ التدقيق بأموال الدعم، وبتسديد مبلغ 100 ألف دولار لكل المودعين بغضّ النظر عن حجم الوديعة. وهذا الأمر يعني تسديد أموال 85% من المودعين، وهذا يعني أنه سيضخّ في المصارف، ومنها في الأسواق ما يوازي أربعة مليارات دولار سنوياً. وعلينا تشجيع الناس على إيداع ألأموال، التي يحتفظون بها في المنازل، في المصارف. ويجب أن يكون التعامل عبر التعاملات المصرفية وليس بالنقدي كما يحصل الآن، الأمر الذي يساعد على إخراج لبنان من اللائحة الرمادية. وسنوقّع مع بعض المصارف اتفاقية لتسديد العديد من الرسوم المالية عبرها وليس نقداً كما يحصل اليوم".
تابع: "إنّ موازنة 2025 ستكون متوازنة ونتوقّع أن نجد فيها فائضاً، بينما كانت الموازنات السابقة تشهد عجزاً يتخطى الخمسة مليارات دولار. وأنه لا بدّ من تحسين الجباية، وليس زيادة الضرائب كما طالب صندوق النقد الدولي. ونتيجة التحسّن بالمالية العامة قمنا بزيادات تدريجية للتقديمات بالقطاع العام، خصوصاً التعويضات العائلية للموظفين والمتقاعدين، وتقديم منحة للعسكريين والمتقاعدين المدنيين".
وتحدّث الوزير جابر عن خطوات إصلاحية قطاعية أساسية، أبرزها في قطاعي الكهرباء والاتصالات، وكل القوانين الإصلاحية التي ننفّذها وضعتها حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2002. وأشاد "بأهمية الشراكة مع القطاع الخاص، المحلي والخارجي. وأعطى مثلاً مطار القليعات، حيث تقدّمت 26 شركة عربية وأجنبة كبرى لمشروع إعادة تشغيل المطار القليعات، وهذ مؤشّر إيجابي جداً للثقة بلبنان".
وقال: "إنّنا نعمل على إعادة هيكلة كل القطاعات، واستئناف التجارة مع المملكة العربية السعودية بعد قيامنا بعمل شاق ومثمر لمنع تهريب الممنوعات إليها، وسنضع في مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس ماسحات ضوئية "سكانرات" جديدة، مع برنامج رقابة سويسرية. وإنّ العمل جارٍ على ترميم الأبنية الحكومية العائدة لوزارة المالية، والتي تضرّر معظمها بانفجار المرفأ".
ختم: "إنّ كل المقوّمات اللازمة لنهوض لبنان، خصوصاً البشرية، متوفّرة، إنما يبقى توفير الظروف الأمنية لضمان النهوض نحو مستقبل أفضل".
وكانت هناك مداخلات للنائبين مخزومي والصايغ وبعض الحاضرين، ومما قاله مخزومي: " إنّ أهمّ المطلوب من أجل النهوض بلبنان هما: تنفيذ قرار الحكومة بحصرية السلاح بيد قواتها الأمنية والعسكرية من دون تباطؤ وتلكؤ، وتسريع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".