
تحقيق أميمة شمس الدين
وطنية - لمناسبة اليوم الوطني للبيئة الذي يصادف في 16 تشرين الثاني من كل عام، نسلط الضوء على أبرز التحديات التي واجهها لبنان خلال سنة 2025، وما رافقها من جهود حكومية لحماية البيئة وتعزيز قدرتها على الصمود.
يأتي هذا اليوم ليؤكد أهمية العمل المؤسسي الذي تقوده وزارة البيئة على أكثر من مسار، من خلال ترسيخ نهج إصلاحي شامل يواكب التحولات التي تفرضها الظروف البيئية والمناخية ويطوّر بنيتها الإدارية، ويعزّز الحوكمة البيئية، ويواكب المتطلبات الوطنية والدولية لحماية الموارد الطبيعية في ظل الظروف الاستثنائية التي مرّ بها لبنان.
وفي هذا السياق تؤكد وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين في حديث إلى "الوكالة الوطنية للإعلام" أن" الوزارة تواصل تنفيذ خطتها الإصلاحية القائمة على إعادة انتظام العمل الاداري ومعالجة الملفات العالقة منذ أعوام، وتحديث الهيكلية التنظيمية، واستكمال التوصيف الوظيفي وفق معايير الكفايات والمهارات المطلوبة، بما يضمن رفع مستوى الأداء وترسيخ ثقافة الشفافية والمساءلة. كما تعمل على تعزيز التحول الرقمي، وتطوير الأنظمة المالية والتنظيمية عبر مراجعة الرسوم البيئية، والعمل على سياسات الشراء العام المسؤول، إلى جانب إعداد خارطة طريق وطنية للاقتصاد الأخضر والأزرق والدائري.
و أشارت الوزيرة الزين إلى أن "هذه الإصلاحات البنيوية والجهد التأسيسي تهدف إلى الانطلاق، مع الحكومة المقبلة، نحو وزارة عصرية فاعلة قادرة على مواكبة تحديات البيئة والمناخ وبالإستناد إلى هذه المقاربة التي تشكّل الإطار الذي تنطلق منه الوزارة في تنفيذ تدخلاتها القطاعية، وفي قيادة جهود التعافي البيئي، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز الشراكة مع الجهات المحلية والدولية".
وقالت:" تسلّط الوزارة الضوء لمناسبة يوم البيئة الوطني على أبرز الإجراءات والأنشطة التي نفّذتها خلال أشهر حافلة بالتحديات، ولا سيّما في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان وما خلفه من أضرار بيئية واسعة.
أولاً: تقييم الأثر البيئي للعدوان الإسرائيلي وإعادة الإعمار والتعافي، والإدارة البيئية للأنقاض: بادرت وزارة البيئة فور توقف العمليات العسكرية إلى تقييم الأضرار البيئية على أن تصدر قريبا تقريرها الشامل مع توصيات التعافي البيئي. وأعدت إرشادات بيئية لإدارة ردميات الحرب تهدف إلى ضمان التعامل السليم مع الركام وإعادة استخدامه بطريقة آمنة ومستدامة، كما أطلقت خطة الإدارة المستدامة للركام الناتج عن الدمار بالتعاون مع الجهات الوطنية والدولية. ولما كان حجم الركام الناتج يقدّر ب 15 مليون متر مكعب، تهدف خطة الوزارة إلى إعادة استخدام 70% منه ضمن الاقتصاد الدائري، ودمج الكميات المتبقية ضمن مشاريع تأهيل المقالع لتقليل المخاطر البيئية والصحية، وخلق فرص عمل ودعم التعافي الاقتصادي.
وفي إطار مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، أولت الوزارة أهمية خاصة لموضوع التخطيط المستدام لاستخدام الأراضي، كإحدى الركائز الأساسية للانتعاش البيئي والاجتماعي. وفي هذا السياق، تعمل الوزارة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ضمن مشروع "الحد من تدهور الأراضي في المناظر الطبيعية الجبلية في لبنان المموَّل من مرفق البيئة العالمي (GEF)، حيث تم إعداد إرشادات وأدوات عملية للمخططين وصانعي القرار بهدف دمج مبادئ الاستدامة في سياسات استخدام الأراضي. وسيتم اختبار هذه الإرشادات في ثلاث مناطق نموذجية في جنوب لبنان لتوجيه عملية إعادة الإعمار نحو أنماط استخدام أراضٍ تراعي حماية الموارد الطبيعية، واستدامة الإنتاج الزراعي. ويُشكّل هذا التوجه خطوة أساسية في بناء رؤية وطنية متكاملة للتخطيط البيئي في مرحلة ما بعد الحرب، تضمن أن تكون إعادة الإعمار مدخلاً إلى تعافٍ أخضر ومستدام.
ولفتت الزين إلى أن الوزارة ساهمت أيضا" في تحقيق إنجاز بارز للبنان في المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) المنعقد في أبو ظبي في 2025، باعتماد الاقتراح اللبناني رقم 148 بعنوان:" دعم استعادة وتأهيل النظم البيئية المتضررة من الحرب". ويعكس القرار الاعتراف بالأضرار البيئية الجسيمة التي سبّبتها الحرب الإسرائيلية (2023–2024) على الغابات والمياه والتربة، ما انعكس سلبًا على التنوع البيولوجي واستدامة الموارد الطبيعية، ويؤكد جهود الوزارة في قيادة المبادرات الوطنية للتعافي الإيكولوجي وتعزيز التعاون الدولي ودعم التمويل لاستعادة الموارد الطبيعية.
ثانياً إدارة النفايات الصلبة: هناك تقول الزين: واصلت الوزارة العمل على تحسين حوكمة وتمويل وإدارة النفايات الصلبة عبر تحديث الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، وتعيين الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، وتعديل مشروع قانون استرداد الكلفة الذي تمت الموافقة على صيغته المعدلة في لجنة المال والموازنة النيابية والتي أحيلت الى الهيئة العامة تمهيدا لإقرارها. وتعمل الوزارة بالتوازي على تأمين التمويل عبر المشاريع الدولية لإنشاء منشآت لمعالجة النفايات في عدد من المناطق اللبنانية التي تفتقر لأي بنى تحتية مناسب وعلى برنامج معلوماتية يربط منشآت معالجة النفايات بالسلطات المعنية. وتشكّل هذه الخطوات الدعائم الرئيسية للإنطلاق نحو حلول فعالة على المديين المتوسط والطويل تحت إشراف الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة.
ثالثاً: تلوّث الهواء: كشفت الزين أن الوزارة أعدت وثيقة سياسات حول أوجه التآزر بين استراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات، والمساهمات المحددة وطنياً، وتقليل التلوث الهوائي. وتعمل الوزارة على تطوير الشبكة وطنية لمراقبة جودة الهواء عبر إعادة تأهيل عدد من محطات الرصد، وإطلاق مناقصة لإنشاء محطات جديدة في مدينة بيروت، بما يتيح للمواطنين الاطلاع على بيانات بيئية محدثة، واتخاذ قرارات سليمة على مستوى الصحة والبيئة، فضلا عن تمكينهم من معرفة نوعية الهواء المحيط بهم. وتهدف إلى تعميم التجربة في باقي المناطق اللبنانية في حال تمّ تأمين التمويل اللازم. وبالتوازي أصدرت الوزارة التعميم رقم 9/1 (بتاريخ 5 تموز 2025) الذي يلزم أصحاب ومستثمري المولدات الكهربائية ذات مجموع قدرة حرارية ابتداءً من 200 كيلوواط المتواجدة في المدن والمناطق اللبنانية الكبرى بتقديم تقارير فنية إلى وزارة البيئة.
رابعاَ: قطاع المقالع والكسّارات: كشفت الزين أن الوزارة باشرت العمل على إعداد مشروع قانون للمقالع والكسارات لإدارة هذا القطاع بصورة أكثر فعالية واستدامة، . وألغت عبر مجلس الوزراء الأذونات والمهل الإدارية لاستثمار مقالع شركات الترابة. وفي هذا السياق، قامت الوزارة بتعديل رسوم الاستثمار لهذه المقالع، و،هت العمل على تصحيح آلية احتساب كلفة الضرر البيئي وكلفة التأهيل، وباشرت بإصدار أوامر تحصيل لأكثر من 1500 عقار مستثمَر، وقد أُقِرّت الإجراءات التنفيذية الخاصة بذلك في مجلس الوزراء.
خامساً البيئة البحرية: وفي خطوة نوعية لتعزيز حماية البيئة البحرية، وقّعت وزيرة البيئة باسم لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي خارج نطاق الولاية الوطنية، والتي تُعد إنجازًا عالميًا يهدف إلى حماية نحو ثلثي محيطات العالم من الاستغلال غير المنضبط. وتمثل هذه الاتفاقية اختراقًا مهمًا في القانون البحري الدولي من خلال تركيزها لأول مرة على حماية الأراضي البحرية الدولية، وترجمة فعلية لرؤية لبنان البيئية وإسهامه في الجهود العالمية للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري، كما وقعت الوزارة بإسم الدولة اللبنانية على "نداء نيس من أجل معاهدة طموحة للبلاستيك".
سادساً الصرف الصحي: تقول الزين: أعدّت وزارة البيئة الإتفاقيات اللازمة مع الجهات المانحة وإعداد الشروط الفنية لمراقبة جودة معالجة مياه الصرف الصحي بدءاً من نهاية صيف 2025، كما ساهمت بالتنسيق مع الجهات المانحة لتأهيل محطات تكرير الصرف الصحي.
سابعاً: الاستجابة للكوارث الطبيعية والمرونة المناخية: أعدت الوزارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حزمة السياسات المناخية للبنان وأطلقتها خلال مؤتمر الاستثمار في المناخ من أجل النمو والتنمية. ومن ضمن هذه السياسات، المساهمة المحددة وطنياً للبنان 3.0 والخطة الوطنية للتكيّف مع تغير المناخ والاستراتيجية طويلة الأمد للتنمية منخفضة الكربون. وبالتوازي تعمل الوزارة على تطوير قانون إطار لتغير المناخ. كما تواصل الوزتارة الإشراف على التخلص التدريجي من مركبات الكلوروفلوروكربون الهيدروكلورية من خلال الإنفاذ والتدريب واعتماد بدائل ذات قدرة منخفضة على إحداث الاحتباس الحراري، وتعزيز التبريد المستدام من خلال الإصلاحات السياساتية، وتحول السوق، واعتماد التقنيات الموفرة للطاقة، وفي هذا الإطار تواكب تحويل 47 من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومؤسسة كبيرة واحدة إلى تقنيات منخفضة التأثير على الاحتباس الحراري.
وفي موازاة ذلك، أطلقت الوزارة تنفيذ مشروع إدارة مخاطر حرائق الغابات في المناطق المعرضة للخطر. يقوم المشروع على تحديد المناطق الأكثر عرضة، إعداد خرائط تفاعلية للمخاطر، وتجهيز البلديات والجهات المعنية بالمعدات الضرورية. وخلال الأشهر الأولى منذ إتمام كافة الإجراءات، أجرت الوزارة عبر الجهات المنفّذة زيارات ميدانية إلى المناطق الحرجية المستهدفة في المناطق الساخنة التي حددت في عكار والضنية والشوف، وتابعت التنسيق مع البلديات والمجتمعات المحلية لتحديد أولويات التدخل، كما أعدت المواصفات الفنية للأجهزة والمعدات الخاصة بالإطفاء وغرف العمليات، وأطلقت مناقصة لتأمين التجهيزات ولوازم الحماية الشخصية ومعدات السلامة.
ثامناً: الصيد البري والمحميات الطبيعية:لفتت الزين إلى أن الوزارة أتمت إجراءات تعيين المجلس الأعلى للصيد البري الذي لم يُشكّل منذ عام 2021، وتعمل على مراجعة قانون الصيد وإعداد مسودة تعديل لمناقشتها مع المجلس الأعلى للصيد البري فور صدور مرسوم تعيينه. كما أعدّت الوزارة تقييما للاحتياجات التنظيمية والمادية للمحميات الطبيعية وأدرجت مساهمتهم في موازنة 2026 وأتمّت الخطط الإدارية لتسع محميات.
تاسعاً: المواطنة البيئية والمناخية: تقول الزين: عززت وزارة البيئة مفهوم المواطنة البيئية من خلال إشراك الشباب والطلاب في برامج تدريبية وزيارات ميدانية للمحميات الطبيعية والمراكز البحثية، والمساهمة في استراتيجيات التنوع البيولوجي وفي مفاوضات قمة المناخ. وفي هذا الإطار، فعّلت الوزارة نظام شؤون المتطوعين واستقبلت عشرات طلاب الجامعات والخريجين للمساهمة في عدد من المهام التقنية والادارية ضمن وحدات الوزارة، بهدف تطوير كفاءات الشباب، وتمكينهم من اكتساب خبرات عملية تدعم مسيرتهم الأكاديمية والمهنية، وتُسهم في تعزيز استدامة قطاع البيئة في لبنان. كما أطلقت الوزارة رابطا الكترونيا للتقدّم بالشكاوى البيئية.
عاشرًا الشراكة مع المجتمع المدني والمحلي: نظّمت الوزارة اجتماعين تنسيقيين للهيئات الاهلية التي تعنى بشؤون البيئية بهدف تعزيز الشراكة الفاعلة والتكامل المستدام في المبادرات البيئية. وشملت الجهود تحديث قاعدة بيانات الجمعيات البيئية وانشاء منصة تفاعلية تتيح إدخال البيانات ومتابعة المشاريع والأنشطة، بما يسهم في تعزيز التعاون وتحسين التخطيط البيئي في مختلف المناطق اللبنانية.
و تؤكد الزين في الختام أن وزارة البيئة تعمل في محاور أخرى ضمن نطاق صلاحياتها وتذكّر في هذه المناسبة أن حماية البيئة اللبنانية هي ركيزة الصمود الوطني، وأن التعاون مع الشركاء المحليين والدوليين هو السبيل نحو تعافٍ أخضر ومستقبل مستدام للبنان".