
أضاف: "في المسيح أبطلت سلطة الناموس، لإن الناموس كان «مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان، ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب» (غل 3: 24-25)، فإذا أعاد الرسول بولس للناموس سلطته التي كان قد هدمها، يجعل نفسه متعديا لناموس المسيح (2: 18) القائم على المحبة التي هي كمال الناموس الموسوي (5: 14). عندما قبل الرسول بولس المسيح يسوع ربا ومخلصا، عرف أن الناموس الموسوي لم يعد معيار التبرير، أي إن الإنسان المسيحي لم يعد بحاجة إلى هذا الناموس ليقف أمام الله بلا لوم، لكنه بحاجة للخضوع لناموس المسيح، أي المحبة، التي هي في الحقيقة «تكميل الناموس» (رو 13: 10). كذلك فإن الإنسان المسيحي، بموته مع المسيح (6: 4) لم يعد خاضعا للناموس الموسوي لأن «الناموس يسود على الإنسان ما دام حيا» (7: 1). هذا الموت تقابله حياة لله، لذا يقول الرسول: «لأني بالناموس مت للناموس لكي أحيا لله» (غلا 2: 19)، ويضيف: «مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في» (غلا 2: 20)."
وتابع: "هذه الحياة الجديدة لا تعني أن يكون المسيحي آلة يحركها المسيح، من دون أن تكون له إرادة ومسؤولية في تحقيقها. سمعنا في الإنجيل «من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها». خلاصنا إذا مرتبط بخيارنا وحريتنا. المسيح فتح لنا الطريق ودعانا، تاركا لنا حرية الإختيار. المسيرة صعبة لأنها تتطلب تواضعا وتضحية وإنكارا للنفس وحملا للصليب، وهذا يتجلى في كل موقف يختار فيه الإنسان أن يضع مشيئة الله فوق مشيئته، وأن يشهد للحق في عالم يسوده الكذب والرياء، وأن يكون محبا في مجتمع قائم على الحسد والحقد، وأن يبقى أمينا لإيمانه ومبادئه بين أناس يقدمون المصلحة على الأخلاق، ويؤمنون أن الغاية تبرر الوسيلة، وهذا قمة الأنانية واللاإنسانية. سمعنا الرب يسوع يقول في إنجيل اليوم « من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه». في هذا الزمن الشرير، وفيما العالم أعمى عما يحدث، أخرس عن التعبير عن رفض همجية الإنسان والشر الذي يقترفه، المسيحي مدعو للشهادة لإيمانه وحمل صليب المحبة والوداعة والنقاوة والشهادة للحق في وجه الظلم والقتل والتجويع والتهجير والإبادة، مدعو للثورة على انعدام الإنسانية وتدهور الأخلاق وسيادة المصلحة. مسيرة الخلاص صعبة لكنها تقود إلى التحرر من أسر الخطيئة ونير الإستعباد للشر، تقود إلى الإتحاد بالله وإلى القيامة والفرح السماوي".
وختم: "لم تبدأ علاقة الرب يسوع بنا مع قرارنا بالإيمان به، بل مع الحدث التاريخي ببذله نفسه على الصليب، وهذا البذل دليل محبته لنا، التي هي أساس كل ما يجلب لنا الخلاص. أما محبتنا فهي أقل ما يمكننا فعله للدلالة على أننا تلقينا فعلا عطية الله في المسيح. الإيمان الذي هو جوابنا على عطية الله لا يؤمن لنا الخلاص، ولا يمكن أن يكون برهانا على أنه إيمان حقيقي بابن الله الذي أحبنا، إن لم يمر بامتحان المحبة اليومي، الذي لا ينتهي إلا بموتنا. لذا، دعوتنا اليوم أن نتعلم كيف نحب الآخر ونتقبله، كائنا من كان، من دون أن نذوب فيه أو نتعلق به أو نتأثر بأفكاره وإيمانه، بل أن نثبت على صخرة المسيح، إيمانيا وجسديا، فتصبح محبتنا تلقائية تجاه كل إنسان، لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، دون أن يذكر لونا أو دينا أو طائفة أو جنسا. فأحبوا الجميع محبتكم للمسيح".