
هدف الاجتماع إلى عرض ومناقشة آليات تفعيل قانون المناطق الاقتصادية الخاصة من خلال ورقة بحثية تشرح النتائج الأولية لهذا البحث، خاصة في ما يتعلق بإعادة تفعيل عمل المناطق الاقتصادية والهيئات المولجة بإدارتها بالاضافة الى ابرز الاشكليات والحلول المقترحة لما لها من أهمية كبرى في عملية الحوكمة والتحفيز الاقتصادي والاصلاح المرجوة.
قيس
وشكر مدير "المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم" المحامي ربيع قيس وزارة الاقتصاد والتجارة على التعاون في تنظيم اللقاء، موضحا ان "الهدف الاساسي هو طرح المناطق الاقتصادية الخاصة على طاولة البحث لما لها من اهمية لتفعيل الاقتصاد الوطني"، مشددا على "العمل لتطبيق النتائج التي تم التوصل اليها بهدف بناء نظام اقتصادي صالح".
البساط
بدوره، قال وزير الاقتصاد: "يشرفني أن ألتقي بكم اليوم في هذا المؤتمر، للحديث عن قضية تحمل الكثير من الأمل ولكن أيضاً الكثير من التحديات، وهي المناطق الاقتصادية الحرّة في لبنان".
أضاف: "أولا، السياق اللبناني. قبل أن نتحدث عن الجدوى، لا بد أن نستحضر السياق. لبنان اليوم يعاني من أزمة اقتصادية ومالية تُعتبر من الأعمق عالميا منذ منتصف القرن التاسع عشر. الناتج المحلي الإجمالي تقلص من حوالى ٥٥ مليار دولار عام ٢٠١٨ إلى أقل من ٢٣ مليار دولار عام ٢٠٢٣. معدل البطالة، وخصوصا بين الشباب، تجاوز ٣٠٪ بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية. أما عجز الميزان التجاري، فهو مستمر عند مستويات مرتفعة، إذ بلغت قيمة الواردات في ٢٠٢٣ ما يقارب ١٥ مليار دولار، مقابل صادرات لا تتجاوز ٣ مليارات. هذه الأرقام تظهر بوضوح أن اقتصادنا بحاجة ماسة إلى أدوات تحفيزية جديدة، تخلق نموا وفرص عمل، وتعيد لبنان إلى الخريطة الاستثمارية العالمية".
وأشار في "مفهوم المناطق الاقتصادية الحرّة وأهميتها، الى أن المناطق الاقتصادية الحرة هي مساحات جغرافية محددة داخل الدولة، تُمنح فيها الشركات حوافز استثنائية: إعفاءات ضريبية، تسهيلات جمركية، بنى تحتية متطورة، وأنظمة إدارية مبسطة. الهدف هو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحفيز الصادرات".
ولفت الى "نظرة سريعة على التجارب العالمية تؤكد أهميتها:
• في دبي، ساهمت المناطق الحرّة مثل جبل علي في استقطاب أكثر من ٧٥٠٠ شركة، وتوليد نحو ٢٣٪ من الناتج المحلي للإمارة.
• في المغرب، ساهمت منطقة طنجة الحرّة في خلق عشرات آلاف الوظائف الصناعية، ورفع الصادرات الصناعية إلى أوروبا".
وذكر في "المزايا المحتملة للبنان:
1. جذب الاستثمارات الأجنبية:
رغم الأزمة، لا يزال لبنان يمتلك ميزة الموقع: على بعد ساعات طيران من أوروبا والخليج، وبميناء بيروت الذي كان في ٢٠١٩ من بين أكبر ١٠ موانئ في المتوسط من حيث حركة الحاويات (قبل الانفجار). مناطق حرّة مرتبطة بمرفأ محدث قد تجعل لبنان منصة عبور تجارية.
2. تحفيز الصادرات:
لبنان اليوم يعتمد على استيراد يفوق التصدير بخمسة أضعاف. إذا ركزت المناطق الحرّة على صناعات دوائية، غذائية، أو تكنولوجية، قد تُضاعف الصادرات إلى ٦ أو ٧ مليارات دولار سنوياً خلال عقد.
3. خلق فرص عمل:
لدينا أكثر من ٣٠٠ ألف شاب لبناني عاطل عن العمل. إذا تمكنت المناطق الحرّة من استقطاب صناعات كثيفة العمالة، يمكن أن توفّر بين ٥٠ إلى ٧٠ ألف وظيفة جديدة خلال سنوات قليلة.
4. نقل المعرفة والتكنولوجيا:
لبنان يشتهر بكفاءاته البشرية، لكن هجرة الأدمغة استنزفت موارده. وجود شركات عالمية داخل المناطق الحرّة يمكن أن يفتح فرص تدريب ونقل خبرات، كما حصل في الأردن حيث ساهمت منطقة العقبة في تطوير مهارات آلاف المهندسين والفنيين.
5. تحسين البنية التحتية:
كل مشروع منطقة حرة سيستدعي استثمارا في الكهرباء، الطرقات، الاتصالات. وهذا سينعكس إيجابا على المجتمعات المحيطة".
ولفت في "المخاطر والتحديات، الى:
1. عزلة عن الاقتصاد الوطني:
بعض التجارب العالمية بيّنت أن المناطق الحرّة قد تبقى مجرد جزر مغلقة. في لبنان، إن لم تُربط سلاسل التوريد بالمؤسسات المحلية، ستظل الفوائد محدودة.
2. خسائر ضريبية:
الدولة اللبنانية لا تجمع سوى ٦٪ من الناتج المحلي كإيرادات ضريبية (من أدنى المعدلات عالمياً). أي تنازل إضافي في شكل إعفاءات يجب أن يُعوضه نمو اقتصادي ملموس، وإلا ستتعمّق الأزمة المالية.
3. مخاطر الفساد:
لبنان يحتل مراكز متأخرة في مؤشر مدركات الفساد (المرتبة ١٥٠ تقريبا من أصل ١٨٠ دولة). أي منطقة حرّة بلا حوكمة صارمة قد تتحول إلى ملاذ للتهرّب الجمركي أو غسيل الأموال.
4. ضعف البنية التحتية:
انقطاع الكهرباء المستمر، ورداءة الإنترنت، ترفع الكلفة على أي مستثمر. إذا لم تُعالج هذه الثغرات، قد تفقد المناطق الحرّة ميزتها أمام منافسين مثل مصر أو تركيا.
5. ضغط على العمالة المحلية:
الخطر قائم أن تفضّل الشركات جلب عمالة أجنبية أرخص، كما حصل في بعض دول الخليج، ما يحدّ من استفادة اليد العاملة اللبنانية".
وأوضح أنه "كي تكون هذه المبادرة رافعة تنموية حقيقية، لا بد من:
• إطار قانوني واضح يضمن استقرار القوانين الضريبية والجمركية لعقود، بعيدا عن التبدلات السياسية.
• إدارة مستقلة للمناطق الحرّة، بعيدة عن المحاصصة، كما حصل في تجربة العقبة الأردنية.
• تخصيص كل منطقة حرة لقطاع محدد: مثلا، منطقة حرة في طرابلس متخصصة في الصناعات الغذائية الموجهة للتصدير إلى أوروبا، أو منطقة في البقاع مخصصة للتكنولوجيا الزراعية.
• برامج تدريب وطنية مرتبطة بالمناطق، بحيث يُدرّب آلاف الشباب على المهارات المطلوبة قبل افتتاح الشركات.
• تأمين الطاقة المستدامة عبر مشاريع طاقة شمسية أو غازية خاصة بالمناطق، حتى لا تبقى رهينة أزمة الكهرباء الوطنية".
وقال: "لبنان اليوم يقف أمام مفترق طرق. صحيح أن التحديات جسيمة: دين عام يتجاوز ١٥٠٪ من الناتج المحلي، فقر يطال أكثر من ٨٠٪ من السكان، وبنية تحتية متهالكة، لكن في المقابل، يمتلك هذا البلد موقعا استراتيجيا فريدا، ورأسمالا بشريا نوعيا، وجاليات منتشرة في العالم يمكن أن تعود وتستثمر".
أضاف: "المناطق الاقتصادية الحرة ليست حلا سحريا، لكنها قد تكون أداة انتقالية لإعادة لبنان إلى دورة النمو إذا أُحسن استخدامها. شرط أن تكون منصّات انفتاح على الاقتصاد العالمي، لا جزر امتيازات ضيقة. وأن تكون محفزا للابتكار والعمل، لا مجرد ملاذ ضريبي جديد".
وختم: "رحلتنا طويلة، نعم. لكن المستقبل يمكن أن يكون مشرقا، إذا امتلكنا الإرادة السياسية والإدارة السليمة. فلنجعل من المناطق الحرّة قصة نجاح لبنانية جديدة، بدل أن تكون عبئا إضافيا على أزماتنا".
جابر
من جهته، قال جابر: "إن هذا القانون يمثل محطة مفصلية في مسار الإصلاح الاقتصادي، كونه يشكل أداة عملية لتحفيز الاستثمار، وتوجيه التنمية نحو المناطق المهمشة، وتحقيق توزيع أكثر عدالة للفرص. وجميعنا يدرك أن صدور القانون لا يكفي وحده، ما لم يترافق مع إرادة جدية لتطبيقه، وآليات واضحة، وخارطة طريق عملية، تراعي الخصوصيات المحلية، وتستفيد من نقاط القوة المتاحة في كل منطقة. من هنا، يأتي هذا اللقاء كمجال للنقاش الصريح، ولتبادل الدراسات والاوراق البحثية و الرؤى بين المعنيين، من إدارات رسمية، وهيئات اقتصادية، ومجتمع مدني، وخبراء، وممثلين عن القطاع الخاص".
أضاف: "إن تفعيل المناطق الاقتصادية الخاصة يتطلب: وضوحا في الحوكمة، شفافية في الإجراءات، بيئة قانونية واستثمارية جاذبة، وبنية تحتية تؤمن شروط الانطلاق السليم بعيدا عن الباطنية والروتين الإداري".
وتابع: "بناء على ما تقدم، نحن اليوم أمام فرصة لا ينبغي تضييعها، فالمناطق الاقتصادية لیست مشروعا تقنيا فقط، بل مشروع إنقاذ اقتصادي وتنموي، يضع الناس في صلب السياسات، ويعطي الأمل الحقيقي لشبابنا في مناطقهم".
وأردف: "أدعوكم اليوم من موقعي كمقرر للجنة الاقتصاد الوطني إلى نقاش مسؤول، بناء، وواقعي، يخرج بخلاصات قابلة للتنفيذ، ونقاط اتفاق يمكن البناء عليها في المراحل المقبلة، بالتعاون الكامل بين الجهات الرسمية والمحلية والخاصة".
وختم: "أجدد شكري لكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء، وأؤكد التزامنا الكامل بالعمل الجاد لتطبيق هذا القانون، وتحويله إلى خطوة فعلية نحو إنعاش الاقتصاد الوطني، وكل التمنيات بالوصول الى النتائج المرجوة".
وفي ختام الجلسة طرح عدد من النواب والحضور بعض المواضيع والنقاط التي يجب متابعتها حول هذا القانون.