
وتناول اللقاء محاور عدة وأبرزها، "استراتيجية النهوض الاقتصادي، تطورات المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تعزيز تنافسية الاقتصاد اللبناني، مواجهة التضخم وتفعيل قانون المنافسة وسياسات حماية المستهلك".
عربيد
بداية تحدث عربيد، فرحب بالحضور، وقال: "نلتقي اليوم في لحظة دقيقة من تاريخ لبنان، حيث تستمر تداعيات الانهيار الاقتصادي في إنهاك المجتمع وتقويض أسس العيش الكريم من القدرة الشرائية، إلى الأمن الغذائي، ومن النهوض بالإنتاج إلى استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها".
واعتبر انه "في خضم هذا المشهد، يتقدم وجع الناس على أي خطاب، فاللبنانيون لم يعودوا يطالبون بحلول فحسب، بل يناشدون من أجل حفظ كراماتهم، كرامة العيش، كرامة العدالة وكرامة تكافؤ الحقوق والفرص".
ورأى أن "تعزيز فاعلية السياسات العامة في زيادة تنافسية الاقتصاد بات مسألة حيوية تمتد آثارها إلى مختلف أوجه الحياة الاجتماعية. فحين تنشط القطاعات المنتجة، تتفاعل مؤشرات المجتمع إيجابا وتثمر السياسات الاجتماعية بنتائج مضاعفة، ما ينعكس تحسنا في مؤشرات الاقتصاد في دورة مترابطة من التأثيرات الإيجابية"، وقال: "إلى جانب الجهود المبذولة من التفاوض مع صندوق النقد الدولي إلى مواجهة التضخم، تبرز حاجات ملحة للنهوض الشامل، وأبرزها، تفعيل قانون المنافسة، تعزيز الرقابة، حماية المستهلك وخلق فرص متكافئة على صعيد الأفراد والمؤسسات".
وأكد أن "النقاش البناء هو حجر الأساس لكل مقاربة إصلاحية، وهو السبيل لإنتاج الأفكار الواقعية والفاعلة. ولا بد لهذا الحوار أن ينطلق من قناعة راسخة أن الاقتصاد لا يبنى على أنقاض الثقة والدولة لا تستعيد حضورها من دون شراكة فعلية بين جميع مكونات الإنتاج والمجتمع".
أضاف: "سئم اللبنانيون من المعالجات الجزئية والخطابات الفضفاضة. إنهم يتطلعون إلى رؤية واضحة تنقل السياسات من منطق الطوارئ إلى منطق الاستقرار والتخطيط، وتضع الإنسان في صلب أولوياتها، من خلال المشاركة لا الاستهلاك ومن خلال المواطنة لا الزبائنية"، وشدد على أن "المجلس الاقتصادي يلتزم بدوره كموقع جامع، لا يتحدث باسم سلطة، بل باسم المصلحة العامة. نحن لا نملك أدوات التنفيذ، لكننا نحمل واجب الإضاءة ومسؤولية طرح البدائل والدفع نحو توافقات وطنية تعيد الإصلاح إلى مساره الصحيح".
وأكد أننا "نؤمن أنه لا إصلاح من دون مشاركة، ولا نهوض من دون عدالة، ولا تعاف من دون شراكة. وعليه، نأمل أن يكون هذا اللقاء خطوة ضمن مسار مستدام يضم الدولة والقطاع الخاص والنقابات والمجتمع المدني وكل من يملك الإرادة للعمل. مسار لا يكتفي بالتشخيص، بل يقترح الحلول، ويقيم انعكاساتها قبل تنفيذها، فالمجتمعات ليست حقل تجارب، بل المختبرات هي المكان الطبيعي لذلك".
وتابع: "نحن، بما نمثل وبمن نجمع، نضع أنفسنا كمختبر للسياسات، نعرض ما نراه نافعا لصناعة القرار العام. فالنهوض ليس عملية تقنية فحسب، بل هو مشروع وطني متكامل بأبعاده الأخلاقية والاجتماعية والمؤسساتية، وهو مناخ يغذى بزخم إيجابي، يشمل بطبيعته عمليات قابلة للقياس. ومن هذا المنطلق، يضع المجلس نفسه في خدمة هذا المشروع، بكل مسؤولية وشفافية".
ولفت إلى أن اللقاء "كان غنيا ومثمرا، حيث جرى التطرق إلى قضايا تهم جميع اللبنانيين، مشيدا بالشرح المفصل الذي قدمه الوزير البساط، ومشددا على أن الشأن الاجتماعي يجب أن يكون حاضرا في وجدان الحكومة بالتوازي مع الموضوع الاقتصادي"، وقال: "نتطلع باهتمام إلى مواضيع الإنتاج والتنافسية ومراقبة الأسعار، لكن الآمال كثيرة والإمكانات محدودة والوقت بالغ الأهمية. لا بد من إعادة تحريك المحركات الاقتصادية بأسرع وقت وإعادة بناء الثقة في البلد، فالإنتاج والنمو المستدام يتطلبان خططا وصبرا".
وإذ شدد على "ضرورة التعاون بين جميع الأطراف من أجل الوصول إلى حلول مستدامة"، أشار إلى أن المجلس الاقتصادي "هو مساحة للتفكير والاختبار، تخرج منها رؤى للمستقبل"، وتمنى أن "تصغي هذه الحكومة والحكومات المقبلة أكثر إلى المجلس وما يمكن أن يقدمه من مشورة".
وختم قائلا: "ما يهمنا هو اللبنانيون وتطوير البلد واستعادة الثقة والمصداقية. فلنذهب إلى الإنتاج والنمو، وإلى التهدئة في الخطاب السياسي، لأنه من دون استقرار سياسي، لا إمكان للإنتاج والنمو الاقتصادي، ومن دونهما لا يمكن تحسين أو تعزيز الوضع الاجتماعي الذي يبقى همنا الأول".
بساط
وتحدث الوزير بساط، فشكر عربيد على "هذه المبادرة القيمة وعلى استضافة هذا اللقاء الذي جمع نخبة من العقول والخبرات من مختلف القطاعات، من اقتصاديين وممثلين عن القطاعات الإنتاجية إلى مسؤولين ومهتمين بالشأن العام".
وقال: "نمر في لحظة دقيقة محملة بالتحديات، لكنها أيضا لحظة تحمل في طياتها فرصة لإعادة التفكير، لإعادة البناء وللعمل المشترك بعيدا عن الشعبوية وعن الحلول السهلة التي أثبتت فشلها. لدينا اليوم فرصة حقيقية إذا قمنا بما يجب للنهوض بالاقتصاد، مضاعفة الإنتاج وزيادة الصادرات واستقطاب الاستثمارات اللازمة لنهوض بلادنا"، واعتبر ان "ما يحتاجه لبنان اليوم ليس فقط خططا وتقارير، بل إرادة جماعية، حوار شفاف ومقاربة واقعية تعترف بالواقع دون أن تستسلم له. والأهم هو الخروج من منطق الانتظار والدخول في منطق الفعل، فعل مدروس، متزن وشجاع"، واكد اننا "في وزارة الاقتصاد، نؤمن أن دورنا يتجاوز الرقابة والتنظيم، بل يتعداه إلى تنسيق الجهود وتفعيل الشراكة لبناء قاعدة اقتصادية متينة وخلق مساحات تعاون بين الجهات الرسمية والقطاع الخاص وكل الهيئات المعنية".
اضاف: "تحدثنا اليوم عن أهمية بلورة رؤية اقتصادية متوسطة المدى، تنطلق لا فقط من تحديث دراسة ماكنزي، بل من رؤية قطاعية تتشكل من مداخلات الوزارات والقطاعات المعنية. هذه الرؤية نعمل على استكمالها في الشهرين القادمين، وستكون الأساس لمؤتمر استثماري مرتقب في تشرين الثاني. تناولنا أيضا أهمية تعزيز تنافسية الاقتصاد اللبناني، والتي لا تتحقق إلا عبر خفض كلفة الإنتاج، ما يتطلب إصلاحات قطاعية في الكهرباء، والنقل، والبنية التحتية عموما. كما ناقشنا أهمية تحفيز الاستثمار وتفعيل الاتفاقات التجارية لخدمة مصالح المصدرين والمستهلكين اللبنانيين على حد سواء. أما في ما يخص صندوق النقد الدولي، فالمفاوضات ليست من باب الإملاء، بل من باب بلورة برنامج يحقق المصلحة الوطنية، يضبط المالية العامة، يعيد الثقة بالقطاع المصرفي ويجد حلا عادلا لأزمة المودعين".
وتابع: "أما في ما يتعلق بالتضخم وغلاء الأسعار، فقد شددنا على ضرورة تعزيز أدوات الرقابة وضبط الأسواق وعلى أهمية تفعيل قانون المنافسة كإصلاح هيكلي يمكن المستهلك من الحصول على سلع بجودة وسعر عادلين. لا اقتصاد من دون ثقة ولا ثقة من دون مساءلة ولا مساءلة من دون شفافية"، وقال: "أطلقنا اليوم رسالة واضحة بان هذه المرحلة لا تحتمل مزيدا من التسويف. النهوض ليس خيارا سياسيا، بل واجب وطني. والعمل الجاد يجب أن يتقدم على أي خطاب، مهما بدا براقا".
وختم الوزير بساط شاكرا "الإعلام اللبناني الذي يواكب يوميا، لا لنقل الخبر فقط، بل لإعادة ربط المواطن بما يصنع باسمه، وتحفيز النقاش العام حول خياراتنا الوطنية. أنتم شركاء في بناء الثقة ودوركم أساسي لا يقل أهمية عن أي إصلاح اقتصادي أو تشريعي. شكرا لكم جميعا وشكرا للبنان الذي لا يزال يؤمن ويصر أن ينهض".
البستاني
بدوره، شدد النائب البستاني على "ضرورة إعادة أموال المودعين بالعملة الأجنبية والليرة اللبنانية، باعتبارها أمانة في أعناقنا"، مؤكدا أنه "لا يمكن بناء اقتصاد إذا أكلنا حقوق المودعين".