أخبار ساخنة

القاموسُ الزحلاوي بلغةٍ إنكليزية الوزير السابق جوزف الهاشم


الحدثُ السياسي ، بل اللبناني الأهـمّ ، الذي يُفْترَضُ أن يكون وطنياً حصراً، بلا ورقـةٍ أميركية ولا ردودٍ لبنانية ولا مرجعيات دولية ترتقي إلى مستوى مجلس الأمن .
      فماذا تُرانا نكتب عن هذا الحدث الواضح الغامض المتعّلق بحصريّـةِ السلاح وقرار الحرب والسلم وخطاب القسم والبيان الوزاري الذي أقـرَّهُ النواب جميعاً بالأيدي المرفوعة والرؤوس المنْخَفضَة ، وكأنّما هذا المسلسل ليس لَـهُ آخر ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .
      أنا من جهتي ، استمعتُ جيداً إلى الكلام الذي أدلى بـه الموفدُ الأميركي الزحلاوي اللبناني الأصل : تـوم بارّاك على أبواب القصور ، والذي تراوح من جهةٍ ، بين المواعظ والوصايا العشر ، والتحذير والتهويل من جهةٍ ثانية .
وبقدر ما أفهم من الكلام المترجم لم أستطع التمييز بين الشيءِ وضـدَّه، وبين الوعيد والنقيض ، فالدبلوماسي العريق يتحلّى بدبلوماسيةٍ مـرِنَة ويُخفي ترجمةَ القاموس الزحلاوي باللغة الإنكليزية ، وهو يمثّـلُ الشيطان الأكبر ويتكلّمُ بلغة الملائكة .
      ولا أظنُّ أن المسؤولين اللبنانيين قد فهموا ما يريده الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وراء موفدهِ توم بارّاك ، وما يريده بنيامين نتنياهو من وراء الرئيس ترامب .
      ولكنّني أعرف أنَّ الموفد الأميركي سيحمل معه الأفكار اللبنانية إلى اللقاء الذي يجمع الرئيس ترامب مع نتنياهو في واشطن ، ونعرف أنَّـه كلَّما كان لقاءٌ بينهما في البيت الأبيض يكون هناك يومٌ أسود في الشرق الأوسط.

 والأخطر في هذا ، أن الموفد الأميركي سيعود إلى لبنان بعد أسبوعين ، وهي المـدَّة التي حدَّدها الرئيس ترامب لاستئناف المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية والتي بعدها راحَ يشـنُّ هجوماً صاروخياً على طهران .
      لا تعنيني إزدواجيَّـةُ تصريحات "المرشد" الأميركي بارّاك : "بأنْ التزموا إتفاق الطائف ، كنتم سويسرا الشرق فاستفيدوا من الفرصةِ الأخيرة ، إنَّ أمام حزب الله مستقبلاً واعداً ولكنه مشكلة لبنانية عليكم حلّها ، لبنان وطـنٌ عظيم واللبنانيون شعبٌ عظيم" كأنما يذكرنا بالرئيس ميشال عون .
      وفي المقابل يحذّرنا "من التخلف عن ركْب متغيّرات الشرق الأوسط ، وفي الجواب عن الضمانات التي يطلبها لبنان قال : "لا أحد يمكنه تأكيد عدم حلول حرب في لبنان ، نحن نمشي على الماء" .
      حين نمشي مع الحرب على الماء تقتضي الحكمةُ أن نتحاشى الغرق ، وفي الخيار بين النصرِ والشهادة لا بـدَّ من التبصُّر لإنقاذِ الشهادةِ والنصر .
      في ظل انعدام التكافؤ العسكري فإنَّ المواجهة تكمنُ في كينونةِ لبنان، تاريخ لبنان مقاومة ، وحدة لبنان وصيغةُ لبنان مقاومة ، الحضارةُ والحريةُ والثقافةُ والفكر والفن والإعلام والأرض المخضَّبـة بدمِ الشهادة ، هذه كلّها مقاومة .
      لا ... هذا ليس شعراً .
      أحداثُ لبنان التاريخية تختصرُ صمودَ لبنان ، وهناك ، عند مصبِّ نهر الكلب نقوشٌ وأنصابٌ تستحضرُ فتوحات الفاتحين : من المصريّين والأشوريّين والبابليّين واليونان واللاّتين والعرب والإنكليز والفرنسيين ، هذه الجحافلُ كلُّها حلَّتْ عندنا ورحلت ، احتلَّتْ ودُحِرتْ بقـوِّة مجـدِ لبنان لا بقوةِ سلاحهِ .

 ومن النقوش التي تركها الملك البابلي "نبوخذنصَّر" على نهر الكلب تقول : "نظَّمتُ حملةً عسكرية ضـدّ لبنان وعلى كل طامعٍ بأرضِ لبنان أن يتعلّم فلا تحدِّثـه نفسهُ بالإعتداء على أهلهِ وإني أقمتُ هنا تمثالي ليشهدَ على ذلك" .
      نعم ... وفي معزلٍ عن الثرثرة السياسية ، من المفيد جداً أن نذكِّـر بهذه الحقائق التاريخية التي تشكِّل أولاً : الـردَّ الأفضل على الورقة الأميركية وسائر الأوراق والحقائب الدبلوماسية المفخَّخة ، وهي حقائق نسوقها ثانياً إلى اللبنانيين الذين يجهلون تاريخ لبنان فوق جهلِ الجاهلين .
     
     عن جريدة الجمهورية
     بتاريخ : 11/7/2025