
أضاف:" كثر عندنا أهل السياسة عدًّا. لكن المعلم كان بذاتِه كثرةً في رجل: يتيم البيت هو، وزعيم الطائفة، ومؤسّس الحزب والنائب والوزير وقائد جبهة الوطن، والمفكّر والشاعر والعالم، والصوفيُّ والعارف الزاهد والخاشع المصلح. ما تشاؤون من صفاتٍ أخرى يمكنُ أن تخطر ببالِ الخير، حتى ليحار دارسوه في كيف تأتى له أن ينجزَ هذا الدويَّ الضخم، في بعض قبضة من السنوات. أهي الظروف التي خاضَها، فصقلت شخصيتَه، أم هو بنفسِه صانعُ ظروفِه وقدره؟ ففي الوقت الذي كان لبنان فيه يتكوّن ويغلي تحت وطأةِ مشاكل الداخل والعالم والإقليم، كان كمال جنبلاط في واجهةِ الموقف، يجابهُ الواقعَ بالرؤيا، ويتائمُ بين البصر والبصيرة، ويكتب يكتبُ يكتب، كأنه يقول لمن وُلُّوا أمورَنا: إن السياسة إن لم تكن شعلةً يضيئُها الفكر بنورانيته، فليست إذن إلا ثقوبًا سوداءَ يسرَبُ منها مستقبلُ الوطن إلى العماءِ البعيد. تلك مسألة لم تزل تقضُّ أيامنا اللبنانية، والمشرقية أيضًا، وتطرح علينا تساؤلات عميقةَ الوجع، في كيف يمكننا أن نحوّل السياسة إلى قضية فكر".
ختم:"كمال جنبلاط الذي اختزن في حشاشة يومه معارف الشرق والغرب، أراد أن يُسخِّرَ هذا كلّه من أجل خدمة الإنسان ولبنان، أو إذا شئتم من أجل خدمة الإنسان في لبنان. كانت السياسة مطيّته إلى صهوات الثقافة، فهو من بعد ما يقارب نصف القرن من الحضور الآخر في جرحِ الغياب، يدفعُنا إلى أن نرفع الصوت مثلَه، وخصوصًا في غمرة العدوان الذي ما زلنا فيه: هذا لبنان، منارةٌ وشعلةٌ ورسالة، واحدًا كان وسيبقى، قويًّا بشعبِه على أعدائه وصروف دهره، وينبغي لأبنائه كلّهم أن يعتصموا بسور وحدتهم الوطنية، مهما باعدت بينهم الأهواء والمصالح، ذلك أن مصلحتَهم العليا هي عيشهم معًا في وطن الفكر السيد الحر المستقل".