أخبار ساخنة

شيطانُ الشعر ومملكةُ الشياطين


بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم 

 

      كتبْنـا بلغة النثـر كثيراً فلم يكـنْ للنثر صـدىً ، وتوافقّا مع يـوم الشعر العالمي الذي أحيَتْـهُ منظمة الأمـم المتحدة في 21 آذار الجاري ، إرتأَينا أنْ نجـرّب بعضاً من لغـة الشعر ، لأنّ الشعر يوحي بـه الشيطان كما يقولون ، ونحن لا نـزال في حضرة جهنّـم . 

      وما يبـرّرُ المحاولة ، أنّ في النغَـمِ الشعري رنيناً قد يُطبِّـعُ الذين يستهويهم رنيـنُ الذهب ، كمثل ما يتـمُّ تطبيعُ القافلة على رنيـنِ النواقيس . 

      والواقع الرهيب الذي نعانيه اليوم يستوجب قـرعَ كـلِّ نواقيس الشعر ، واستحضار كـلِّ شياطينه ، حتى لا تقودنا القافلةُ إلى الكثير من المحاذير ، ولا تدفعنا غباوةُ الأحلام إلى اختيار الحكام بالخفّـةِ وسـوء التقدير . 

      وفي استذكار بعض الشواهد من أحكام الملوك في الماضي من الأيام نقول : 

 

ملكٌ على عرشِ البلادِ تبدَّلتْ       في عهـدهِ  أفراحُنا  أتْـراحا 

مترنّـحٌ ،  فكأنّـما  جنيّـةٌ           حملَتْ إليـهِ الخمرَ والأقداحا 

أوْ ، حيَّـهُ الفردوسِ سـرُّ دهائها      أغـواهُ حتَّى  يأكلَ  التفّاحا 

فطغَتْ جهنّـمُ باللَّهيبِ وباللَّظىَ      تُدمـي القلوبَ وتحصدُ الأرواحا 

القيّمون جنَـوا عليهِ بمكْرهمْ         وبغَـوْا ، فكان الكبشَ والسفّاحا 

نهبوا المخازنَ والخزائن والجنَى        لصُّ  الحكومةِ يملكُ المفتاحا 

هـوَتِ السفينةُ والعواصفُ عربدَتْ    ما أيقظتْ مـن نومـهِ الملاّحـا 

وعَـدَ الرعيةَ بالعُلى ، فهوَى العُلى   وبـهِ نعَـى التغيـيرَ والإصلاحا . 

***  

      بين الشعر والشيطان والصحافة والحكّام ، علاقة متلازمة على مـدى حقبات التاريخ ، والشعر كان قديماً سلطان بلاطات الملوك ، كمثل ما كان في الدواوين العربية منذ صدر الإسلام والعصر الأموي والعباسي والأندلسي ، وما قبل عصرَ النهضة وما بعدها ، فكان الشيطان الشعري والقلم الصحافي ثنائيةً ثائـرةً تفضح مجازر التيجان المرصّعة ، ومظالم العباءات المـذهّبة . 

      يقول الملك الفرنسي شارل التاسع في تكريم أحد الشعراء ، "كلانا يلبس تاجاً ، أنا في قدرتي أن أعطي الموت ، أما أنت فإنك تعطي الخلود ..."(1) 

          والشاعر الإنكليزي الشهير : "جـون ملتون" إختار شيطان التمرّد في قصيدته "الفردوس المفقود" والتي كان لها علاقة أساسية في ثورة إنكلترا . 

      قد يستغرب بعضهم هذا التماذج الصحافي بين الشعر والسياسة . 

ولكن ، من المفيد أحياناً أن نتخطّى النمط السياسي الكلاسيكي ، ورتابـة الكتابة الصحافية حتى لا نأسر أقلامنا في قوالب التقليد ، بـدل أن ننفتح على سائر المعارف والمقارنات الأدبية والعلمية ، بما فيها من تغذية للموضوعات السياسية الهادفة ، ومن عبـرة للسلطة البشرية الحاكمة  

      وحسبي من هذه الدلالات إنها تشكلّ مقاربةً صارخة للإنحطاط التاريخي الذي أوقعنا فيه شياطين السياسة ، لعلنا نستلهم الخلاص مع شياطين الشعر . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1 – قصّة الحضارة : مجلّد 7 –ج1 – فصل1 - ص :11     

 

عن جريدة الجمهورية  

بتاريخ : 24/3/2023